التعليم الإلكتروني في مصر في ظل جائحة الكورونا
نالت المؤسسات التعليمية نصيبها من التحديات في ظل جائحة الكورونا، فلم يقتصر الأمر على الاقتصاد، والصحة، والتواصل الاجتماعي فحسب، بل امتد ليشمل التعليم بكافة مراحله، بداية من مرحلة الطفولة، ووصولًا إلى المرحلة الجامعية، والدراسات العليا.
وشكل الأمر تحديًا خاصًا لمصر، كونها دولة نامية دائمة التطلع إلى الأمام، وربما عانت من بعض التأخر في مسألة التعليم عن بعد، لكن، لعبت الكورونا دورًا إيجابيا في إعطاء التعليم الإلكتروني دفعة كبيرة إلى الأمام، وظهرت وسائل عديدة للتعليم عن بعد في مصر، وتم تجربتها بأكثر من طريقة مختلفة، وما زالت التطبيقات مستمرة حتى يمكن الوصول إلى أفضل شكل ممكن لتقديم خدمة التعليم عن بعد.
ما قبل الكورونا:
يمكن تشبيه بدايات التعليم الإلكتروني في مصر بالخطوات الأولى لطفل يتعلم المشي. هكذا، بدأ الأمر، ببطء وبإصرار. ترجع المراحل الأولى لتطبيق فكرة التعلم عن بعد إلى نحو خمس سنوات، حينما أعلنت بعض الجامعات عن إطلاق منصات تعليمية خاصة بها، تشمل محاضرات مسجلة، وامتحانات تجريبية.
على مهل، انتقلت الفكرة من الجامعات إلى طلاب المرحلة الثانوية. لا يمكن نكران الصعوبات التي واجهتها الفكرة في البداية، مثل الشائعات عن فشل التطبيق، وضياع المادة العلمية، وتأخر الطلاب وغيرها.
إلا أن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا، تم تجربة استخدام الإنترنت في الدراسة، وتوزيع أجهزة حديثة على الطلاب لمساعدتهم على حل الامتحانات التجريبية. جرى التطبيق بالتدريج، وعلى فترات متقطعة، وكان الهدف الرئيسي هو ملاحظة المشاكل والعمل على حلها، ومحاولة استيعاب عدد أكبر من الطلاب كل فترة، والتغلب على المشاكل التقنية.
التعليم عن بعد:
ظهر مفهوم التعليم عن بعد للمرة الأولى في أمريكا عام 1892، حيث تم إنشاء أول مؤسسة مستقلة للتعليم بالمراسلة. بعدها، تم استخدام التلفزيون عن طريق بث القنوات التعليمية، ومع ظهور الإنترنت، تم إطلاق المنصات الرقمية الخاصة بالمؤسسات العلمية، وشجع هذا للطلاب من جميع أنحاء العالم على إتمام دراستهم ونيل شهادات قوية في تخصصات مختلفة.
بشكل رئيسي، يعتمد التعليم الإلكتروني على التباعد الجغرافي بين الطلاب والمعلمين. وهذا يخالف الشكل التقليدي للعملية التعليمية. وتم هذا باستخدام الإنترنت للتواصل، وتطبيقات التكنولوجيا لإلقاء المحاضرات في صورة فيديو، وإدراج الطلاب على المنصات الرقمية التعليمية.
منذ بداية الجائحة:
في مارس 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا يشكل وباء عالمي، ومنذ تلك اللحظة تغير العالم تماما. أدى هذا الإعلان إلى تعطل كل شيء لعدة أشهر، الدراسة، العمل، السفر، وأي شيء آخر. وهناك العديد من الدول التي طبقت سياسة الإغلاق التام أو الحظر الكامل، ومنها مصر.
وبينما كانت الدول المتقدمة تمتلك من المؤهلات ما يكفي لاستئناف أهم الأعمال من خلال الإنترنت، مثل المنصات التعليمية الرقمية، مؤتمرات الفيديو وغيرها. كانت مصر، والدول النامية الأخرى، تنسق لاتخاذ خطوات قوية وجريئة بشأن مقوماتها الحيوية. ومن هنا، كانت الانطلاقة الرئيسية للتعليم الإلكتروني في مصر.
كيف حاولت مصر اجتياز أزمة التعليم في ظل الكورونا؟
من المبهر، أن الأمر لم يشمل المراحل التعليمية الرسمية في مصر، أعني المدارس والجامعات. بل ظهر العديد من المساقات التعليمية الرقمية المدعمة من الحكومة المصرية، والتي كانت لأجل هدف رئيسي: تعليم الشباب، وتشجيع الأعمال الحرة.
اتبعت مصر سياسة خاصة بشأن التعليم، ويمكن شرحها في الخطوات التالية:
- البداية كانت في الإغلاق التام للمدارس والجامعات، وإعطاء الطلبة إجازة لفترة غير محددة. تزامن هذا التوقف مع الأشهر الأولى منذ إعلان الجائحة، ويمكن القول أن أغلب الدول اتبعت نفس الأسلوب حينها، فلم يكن أحد على علم بما سيحدث، وبالتالي، ما من استعداد للمواجهة.
- ظهرت في تلك الفترة تطبيقات مثل Zoom، وشاع استخدام منصات أخرى مثل Microsoft teams, Google meet. أحدثت تطبيقات التكنولوجيا طفرة هائلة في التواصل، واستطاع الطلاب مشاهدة المحاضرات في صورة بث حي مباشر مع المعلمين، بعد تحديد مواعيد مناسبة.
- لم يقتصر الأمر على التطبيقات فقط، كان البحث عن حلول أخرى يجري على قدم وساق، وكان هذا متزامنا مع استيعاب الجائحة بشكل أفضل، حيث فهم الجميع أن وباء الكورونا قد يصبح مشكلة مزمنة، ويمتد لسنوات أخرى قادمة. ومن هنا، بدأ العمل على تطوير منصات رقمية خاصة بالمؤسسات التعليمية.
- ونظرًا لأن العملية التعليمية تعتمد على طرفين: المحاضرين والطلاب. لم يفت الحكومة المصرية الاهتمام بالمعلمين والمحاضرين في جميع المراحل التعليمية. وكانت هناك دورات تدريبية مكثفة لتجهيز المعلمين للتعامل مع المنصات الرقمية، واستيعاب مفهوم التعليم عن بعد وخصائصه الجديدة.
- مع بداية العام الدراسي في سبتمبر 2020، أعلن المسؤولون عن سياسة التعليم المدمج أو التعليم الهجين Hybrid learning، والتي سمحت للطلاب بالتواجد في المدارس والجامعات في أيام محددة أسبوعيا، بعد تقسيمهم إلى مجموعات محدودة للحد من الازدحام. ويمكن تشبيه خطة التعليم الهجين بالخطوة الدبلوماسية، فهي تجمع بين التعليم الإلكتروني والتقليدي، مما يعطي مساحة كافية لتطوير المنصات الرقمية والتغلب على المشاكل التقنية، وتهيئة الطلاب للشكل الجديد للتعليم.
التعليم الإلكتروني في مصر: لأجل حياة أفضل
لم تكتف مصر بتطبيق التعليم الإلكتروني في المراحل الدراسية المختلفة، بل استخدمته كطريقة لإعداد الشباب للتغيرات الاقتصادية الكبيرة التي يشهدها العالم. تم إطلاق منصة مصر الرقمية، التي تشمل مساقات تعليمية خاصة بالتدريب على أكثر الوظائف طلبا حول العالم، مثل التسويق الرقمي، تحليل البيانات، تطوير المواقع والبرمجة.
تم تصميم المساقات لتناسب جميع المستويات (المبتدئ- المتوسط- الاحترافي). وخلال فترة زمنية محددة، يتم تدريب الشباب على فهم هذه المجالات تماما، وتجهيزهم لسوق العمل الحر، والحصول على دخل شهري بالعملات الأجنبية. وخلال عام واحد فقط، نجح آلاف الشباب في إنهاء المساقات، وبدء العمل الخاص بهم.
في الختام، يمكن القول أن جميع ما وصلت إليه البشرية من تقدم حتى هذه اللحظة، يرجع بدرجة كبيرة إلى قدرتها على التكيف. ومصر تفعل هذا بشكل مبهر، والتغير الذي يشهده التعليم الرقمي هو أكبر دليل على ذلك. وما زال العمل قائمًا للوصول إلى الأفضل.