التعليم الإلكتروني وخطوات التغيير

نظرة مختلفة عن نموذج التعليم عن بعد في سياق التجارب السابقة

بعد انتشار جائحة كورونا في مختلف دول العالم منذ عامين، بدأت الوزارات المعنية بالعملية الدراسية في مختلف البلاد في المضي قدمًا نحو إيجاد حلول جديدة من أجل ضمان استمرارية العملية التعليمية في مختلف المراحل العمرية دون تعريض أرواح الطلاب والمعلمين والإداريين إلى أي نوع من أنواع الخطر. حينئذٍ، ظهرت مجموعة من الحلول المختلفة التي ترتكز على تقنيات متنوعة أو استراتيجيات جديدة ومنها نذكر المنصات التعليمية الإلكترونية والأدوات الرقمية الذكية الأخرى.

في البداية، قدمت المنصات التعليمية الإلكترونية نظريًا محاكاة كاملة للمنظومة التعليمية الكلاسيكية مع بعض التطوير من خلال تحسين فاعلية العناصر التعليمية المختلفة مثل التواصل المباشر والأدوات التوضيحية ووسائل الإيضاح التفاعلية الأخرى. قبل بداية الأزمة، اتجهت بعض الدول في شمال أوروبا وبعض الولايات من الولايات المتحدة الأمريكية إلى توقيع زمالات واتفاقيات استثمارية بين القائمين على المنصات التعليمية الإلكترونية والوزارات التعليمية من أجل تجربة هذا النموذج، وفي الحقيقة، يجب أن نعترف أن تلك القرارات ساهمت في تحسين المنظومة التعليمية الإلكترونية في الوقت الذي اضطرت تلك الدول فيه أن تلجأ إلى رقمنة التعليم بالكامل، وسنتعرف بعد ذلك على مجموعة الأسباب التي جعلت بعض الدول أكثر استجابة للنمط الرقمي الحديث في المنظومة التعليمية.

لا يختلف اثنان من الخبراء على فاعلية التعليم الإلكتروني والمنصات التعليمية الإلكترونية ومدى كفاءتها في أداء الدور المرجو منها في محاكاة الفصول وتوفير قنوات التواصل المناسبة من أجل تلبية احتياجات المعلمين والطلاب. علاوة على ذلك، يجب أن ننظر بشكل أكثر موضوعية إلى الأمر برمته، فالمنصات التعليمية الإلكترونية تمتاز بقابلية استثنائية للتطوير والتحسين لأنها في الحقيقة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنترنت والحلول الرقمية والتي تمتاز بدورها بالتطورات الديناميكية المتسارعة وتعكس هذه العلاقة القابلية الكبيرة لتطوير المنصات التعليمية الإلكترونية أكثر من ذلك.

والآن، بعد أن تعرفنا على الوضع الحالي وفرص التطور المرتبطة بالمنصات التعليمية الإلكترونية بالإضافة إلى النجاح الباهر الذي حققته تلك المنصات التعليمية، علينا أن نعتنق نهجًا فكريًا أكثر تنظيمًا من أجل التعرف على المنصات التعليمية الإلكترونية والمنظومة التعليمية العربية وارتباط الاثنين بعضهم ببعض. ولأن هذه النظرة ستساعدنا على التعرف بشكل أكثر وضوحًا على أسباب رفض بعض العناصر في العملية التعليمية لهذا النمط التعليمي الجديد، نجد أن من المهم أن ننتهج نهجًا مختلفًا عن النظريات الأخرى.

نموذج التغيير وعلاقته بالمنصات التعليمية الإلكترونية

يرتبط أي تغيير بأنماط تنفيذية ترتبط بشخصيات البشر الذين يتعرضون لهذا التغيير وفي حقيقة الأمر، يميل البشر بشكلٍ عامٍ إلى رفض التغيير فالحالة النفسية التي يُفضلها البشر هي حالة الثبات والركود لأنها تُعد مريحة وآمنة بالنسبة لأغلبية البشر. هناك الكثير من الأمثلة التي تُحاكي الوضع مع المنصات التعليمية الإلكترونية، ففي القرن الثامن عشر، كان بعض البشر ينظرون إلى الآلة الكاتبة وكأنها سحرًا ملعونًا يكرهوه، وهكذا واجه العلماء الكثير من الصعوبات من أجل إقناع البشر بالآلة الكاتبة. فكل تغيير يبدأ بإذابة الأفكار القائمة ويليه التغيير ثم يليه أخيرًا التجميد.

وهنا يجب أن نذكر المرحلة الأولى لأي تغيير تنفيذي ناجح وهي إذابة الأفكار القديمة ونقدها وذكر المساوئ المرتبطة بها.

بالنظر إلى ما حدث في الدول الغربية السالف ذكرها، نجد أن هذه المرحلة قد أخذت وقتًا كافيًا حيث إن الاتجاه الاستثماري العام في المنصات التعليمية الإلكترونية قد ساهم في تفكيك الأفكار القديمة التي تربط التعليم بالتواصل المباشر الشخصي في الفصول. وإن هذه الإذابة في حقيقتها لا تتعلق فقط بإذابة الشكل النمطي للتعليم في أدمغة المعلمين والطلبة في مختلف الفئات العمرية بل تمتد كي تشمل أولياء الأمور أيضًا وهم فئة مؤثرة للغاية في المنظومة التعليمية فهي دائمًا ما تشبه مجموعات الضغط على المعنيين باتخاذ القرارات الحكومية.

لا نستطيع أن نتأكد من مرور البلاد العربية بتلك المرحلة، فإن البلاد الغربية تعاملت مع المنصات التعليمية الإلكترونية كونها خطوة نحو التغيير والتطوير أما البلاد العربية اضطرت للتعامل مع نفس المنصات كونها حلولًا طارئة من أجل التعامل مع مشكلة مما أفقد المنظومة التعليمية العربية بأكملها حق إذابة الأفكار القديمة، وهكذا انتقل النموذجان؛ الغربي والعربي؛ إلى المرحلة التالية وهي التغيير. أما عن تلك المرحلة، فبالرغم من توفر الكفاءات في النموذجين إلا أن البنية التحتية لم تكن بالجاهزية الكافية من أجل استيعاب التغيير. يُقصد بالبنية التحتية كل ما يتعلق بشبكات الإنترنت والأدوات الرقمية المناسبة والمعرفة التكنولوجية الكافية للتعامل مع المنصات التعليمية.

بالنظر إلى نتائج تلك المرحلة في الوطن العربي، سنفاجأ بوجود علاقة مباشرة بين نجاح المنصات التعليمية الإلكترونية والبلاد التي أخذ خطوات ثابتة نحو نشر ورش عمل محو الأمية الإلكترونية علاوة على توفير الأدوات التقنية المناسبة للمعلمين والطلبة.

بالتأكيد، لا نستطيع النظر إلى المرحلة الأخيرة من نموذج التغيير لكن بالنظر إلى ما حدث في المرحلتين السابقتين، نجد أن النتائج لن تكون بالفاعلية المرجوة في البلاد العربية إلا من خلال سد الفجوات الموجودة في البنية التحتية الإلكترونية في مختلف البلاد العربية وعلى رأس تلك الفجوات، نجد الأمية التكنولوجية.