التعليم الإلكتروني والرسائل الدلالية

دراسة تجريبية تربط المفاهيم اللغوية التسويقية بالمنظومة التعليمية الحديثة

لقد حان الوقت من أجل النظر إلى المنظومة التعليمية ومفاتيح التواصل بين المعلمين والطلاب بشكلٍ مختلف، ففي ظل التطور التكنولوجي المُتسارع الذي تُقدمه المنصات التعليمية الإلكترونية، يجب أن يُعاد النظر في بعض المبادئ التعليمية القديمة من أجل تطويرها والبناء عليها المزيد من أشكال التفكير التي تتناول التعليم من منظور متعدد الجوانب. بالنظر إلى التعليم كصناعة، نجد المنظومة التعليمية أكثر تأخرًا من نظائرها في الصناعات الأخرى مثل التسويق والكتابة الإبداعية والإعلان والمسرح والطب والرعاية الصحية، وهكذا، يدعونا ذلك التأخر إلى المزيد من التطوير السريع ليس فقط فيما يتعلق بالأساليب التربوية والتطبيقات في الفصول وخلف شاشات المنصات التعليمية، بل في كيفية فهمنا لعملية التواصل بين المعلم والتلميذ، أو كما يُطلق عليها "التعليم".

تُعد الرسائل الدلالية من الوسائل الأكثر انتشارًا بين المُسوقين وغيرهم ممن يهتم بصناعة الكتابة الإبداعية أو كما يُطلق عليها بالإنجليزية "copywriting". لقد حصلت الرسائل الدلالية على هذا الاسم نتيجة زواج علم التسويق بعلم اللغويات التطبيقية. فمن ناحية، هي رسائل يتبادلها المُرسل والمستقبل وهي دلالية لأنها تعتمد على القيمة غير اللغوية التي تضيفها الكلمات إلى المعاني أو الصور التي تُشكلها المعاني في عقول المستمعين. من أجل فهم الرسائل الدلالية، دعونا ننظر إلى أحد الأمثلة الشهيرة في قطاع الرعاية الصحية. يستطيع الكاتب أن يُطلق على الرعاية الصحية صناعة في اللغة الإنجليزية فقط لأن في العربية، ترتبط كلمة صناعة بشكلٍ أكثر جمودًا لا يتوافق مع القيمة الدلالية المُتمثلة في رسالة قطاع الرعاية الصحية ككل. وهكذا، يميل الكُتاب إلى تقسيم القيم الدلالية إلى أنواع من أجل استخدامها في سياقها الذي قد لا يُفسر لغويًا فقط بل لغويًا ونفسيًا في نفس الوقت. يُعد علم الدلالة من أركان اللغات الرئيسية الخمسة بجانب النحو والتراكيب والصوتيات والمعاجم بحسب التقسيمات اللغوية الحديثة، ولكن الديناميكية التي يتسم بها العصر في الوقت الراهن، جعلت الصناعات المختلفة تتخذ الدلالة سلاحًا من أجل إيصال الرسائل بوضوح وبفاعلية كبيرة حتى من خلال التواصل غير المباشر عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من قنوات النشر الإلكترونية، لأن الأغلبية العظمى من العلامات التجارية تستخدم الكثير من الرسائل وتتوقع وصولها بفاعلية للمتلقي. في حقيقة الأمر، لا يتفاعل المتلقي إلا لخمسين بالمئة على الحد الأقصى من تلك الرسائل بسبب كثرتها وتشتتها. عندما علم الباحثون بهذه الأرقام الصادمة، قرر اللغويون إنشاء الخرائط الدلالية أو بالإنجليزية "message architecture" من أجل التأكد من عدم التسبب في ضغط على المتلقي في المرة الواحدة وهكذا لا تجد إعلانًا واحدًا يتناول أكثر من ثلاث سمات للمنتج الواحد، وأثبتت هذه الطريقة فاعلية مرتفعة في التسويق والتسويق الإلكتروني بالأخص.

بالنظر إلى التعليم والتسويق نجد أن الطالب يشبه كثيرًا المتلقي وبالنظر إلى علم اللغويات، نجد أن التواصل كعملية ما هو إلا مبدأ لغوي فائق الأهمية. لهذا، فمن الآمن أن نُحاكي في الفصول ما يقوم به المسوقون على شبكات الإنترنت في الفصول أيضًا، وبالنظر إلى التشابه في العناصر المكونة للتسويق والتعليم، من الآمن أن نتوقع نجاح الخرائط الدلالية في الفصول أيضًا ومن خلال المنصات التعليمية الإلكترونية.

من خلال استخدام المبادئ اللغوية في إيصال المعلومات، تُصبح الأولوية للأثر لا الطريقة وهو ما ينقص المنظومة التعليمية في الوطن العربي. فإن وسائل الإيضاح، على سبيل المثال، ليس لها قيمة دون أن تقدم التأثير التفاعلي المرجو منها والمنهج الدراسي يفقد قيمته إن لم يسبب إلى التشتت للطلاب.

هناك الكثير من التجارب التي تُشير إلى أهمية التماسك في الرسائل التي يرسلها المعلم للطالب في سياق المنهج الدراسي من خلال الحِصص. وسمة التماسك تلك، يجب ألا يفقدها المنهج الدراسي في أي وقت لأنها السِمة الأولى التي يجب أن تتوفر في الخريطة الدلالية المنطقية التي تخلق أثرًا إيجابيًا في تجربة التعليم الشخصية لدى الطلاب.

من المهم أن يتعرف المعلمون على الطرق الناجحة التي اعتمدتها صناعة التسويق واللغويات أيضًا بسبب التشابه الكبير بين هذه القطاعات وقطاع التعليم. فالطبيعة الديناميكية التي قدمتها المنصات التعليمية الإلكترونية لمنظومة التعليم عن بعد تتطلب مثل هذه المنظورات الحديثة في تناول مفهوم التعليم.